حنين السيد
بعد سقوط النظام السوري وبدء الكشف عن آلاف الانتهاكات، والإفراج عن المعتقلين والمعتقلات، بات لزامًا على الصحفيات والصحفيين امتلاك أدوات حساسة ومهنية في التعامل مع شهادات الناجين والناجيات من الصدمات، لا سيما في سياقات الانتهاكات واسعة النطاق والعدالة الانتقالية.
في هذا السياق، أطلقت منصة نساء ربحن الحرب مجموعة تدريبية متخصصة، للصحفيات السوريات، بهدف تطوير مهاراتهن في تغطية قضايا الصدمة والانتهاكات. قدمت آية مهنا، الأخصائية في الصحة النفسية والصدمات، جلسة تدريبية عبر منصة “نساء ربحن الحرب”، استعرضت خلالها التأثيرات النفسية للصدمات على الناجين.ات والصحفيين.ات، إلى جانب آليات الدعم النفسي التي تساهم في حمايتهم.
ركزت الجلسة على أهمية فهم الصدمة النفسية، حيث أوضحت المدربة أن الصدمة ليست مجرد ضغط نفسي عابر، بل هي استجابة نفسية وجسدية عميقة لحدث غير متوقع يهدد الحياة أو يشعر الفرد بالعجز. ومن أبرز الجوانب التي تمت مناقشتها، التمييز بين التوتر والصدمة النفسية، حيث أوضحت مهنا أن التوتر يعد استجابة طبيعية للمواقف الصعبة، لكنه يختلف جوهريًا عن الصدمة، التي تمتد تأثيراتها إلى الصحة العقلية والجسدية والاجتماعية، وقد تترك آثارًا طويلة الأمد.
كما ناقشت الجلسة التأثيرات العصبية التي تحدثها الصدمة على الدماغ، إذ تؤدي إلى اضطرابات في معالجة المعلومات وضعف في التحكم العاطفي، بالإضافة إلى تأثيرها على تكوين الذكريات. وأشارت مهنا إلى أن هذه التغيرات قد تفسر سبب تقديم بعض الناجين.ات لروايات غير متسقة أو متناقضة عند الحديث عن تجاربهم، وهو أمر ناتج عن اضطراب استرجاع المعلومات وليس عن تضليل متعمد.
وأوضحت آية مهنا أن عملية إعادة سرد الأحداث قد تكون مرهقة نفسيًا للناجين.ات، مما يتطلب من الصحفيين.ات فهم آليات التأثير النفسي للصدمات والتعامل بحساسية مع الشهادات التي يقدمها الناجون، لضمان تغطية إعلامية أكثر إنسانية ومسؤولة.
تأثير الصدمة على الصحفيين.ات
تحدثت الأخصائية خلال الجلسة عن التأثيرات النفسية التي قد تصيب الصحفيين.ات خلال تغطيتهم للأحداث الصادمة، ومن أبرز المحاور التي تمت مناقشتها:
- الصدمة غير المباشرة (الثانوية) حيث أشارت المدربة إلى أن الصحفيين.ات الذين يغطون الأحداث المأساوية بشكل متكرر معرضون للإصابة بصدمة غير مباشرة، حيث يتأثرون عاطفيًا بالمآسي التي يشهدونها أو يسمعون عنها.
- الرعاية الذاتية وأهميتها من خلال اهتمام الصحفيون.ات بصحتهم النفسية، ووضع حدود مهنية، والتحدث إلى مختصين نفسيين عند الحاجة، والتأكد من أخذ فترات راحة لتجنب الإرهاق العاطفي والاحتراق النفسي.
كما ناقشت الجلسة كيفية تعامل الصحفيين.ات مع الناجين.ات من الأحداث الصادمة، مع التركيز على احترام تجربتهم وتجنب إعادة تفعيل الصدمة أثناء المقابلات الصحفية. وشملت التوصيات الأساسية ما يلي:
- تجنب الأسئلة الموجهة أو الضغط على الناجين.ات حيث شددت المدربة على أهمية طرح أسئلة مفتوحة تتيح للناجين.ات التعبير بحرية عن تجربتهم، مع تجنب الأسئلة التي قد تؤدي إلى إعادة صدمتهم نفسيًا.
- اختيار التوقيت المناسب للمقابلات على سبيل المثال تأجيل المقابلات إلى ما بين ثلاثة وستة أشهر بعد وقوع الحدث، لمنح الناجين.ات فرصة أولية لاستيعاب ما حدث والتعامل مع تداعياته.
- التعرف على علامات الصدمة حيث يتوجب على الصحفيين.ات أن يكونوا قادرين على التعرف على المؤشرات النفسية والجسدية للصدمة لدى الناجين.ات، مثل الإرهاق المزمن، اضطرابات النوم، الآلام الجسدية غير المبررة، والخدر العاطفي.
التعافي والدعم النفسي
ناقشت الجلسة مفهوم التعافي من الصدمات، حيث أكدت المدربة أن الشفاء التام قد لا يكون ممكنًا في بعض الحالات، ولكن توفير أنظمة دعم نفسي واجتماعي يمكن أن يساعد في تحسين جودة الحياة للأفراد المتأثرين بالصدمات. كما أوضحت أن الدعم النفسي يجب أن يكون شاملاً، يأخذ بعين الاعتبار العوامل الجسدية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية والروحية، وشددت على أن الصحفيين.ات العاملين في مجال تغطية الصدمات يحتاجون إلى بروتوكولات حماية نفسية لضمان عدم تعرضهم لمشكلات نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، أو الإرهاق العاطفي. ومن أهم الخطوات التي أوصت بها:
- إيجاد شبكة دعم من زملاء ومختصين نفسيين لمناقشة التجارب الصعبة والتخفيف من آثارها.
- الالتزام بفترات راحة منتظمة، وعدم الانخراط العاطفي المفرط في القصص الصادمة.
- تطوير مهارات التكيف مع الضغوط النفسية، مثل التأمل، والتمارين الرياضية، واتباع عادات صحية.
اختُتمت الجلسة، بالتأكيد على أن العمل الصحفي في القضايا الصادمة لا يقتصر فقط على نقل المعلومات، بل يتطلب مسؤولية أخلاقية تجاه الضحايا، مع ضمان حماية الصحفي.ة نفسه.ها من التأثيرات النفسية السلبية، حيث أن توفير بيئة آمنة نفسيًا للصحفيين.ات ينعكس بشكل إيجابي على جودة العمل الصحفي، ويعزز من قدرة الصحافة على نقل الحقيقة بمهنية وإنسانية.
لمشاهدة الجلسة الكاملة، يمكنكم الضغط على الرابط التالي:
وفي إطار التدريبات التي نظمناها، عقدنا أربع جلسات متخصصة لتطوير مهارات الصحفيين.ات في تناول القضايا الحساسة بمهنية وأخلاقيات عالية.
تضمنت الجلسات:
“توثيق القصص الصعبة عبر البودكاست” التي قدمتها الصحفية رشا الديب، لمشاهدة الجلسة.
“التغطية الصحفية لقضايا الناجين.ات” مع الصحفية ميس قات، لمشاهدة الجلسة.
“التحقق من المعلومات خلال النزاعات” التي قدمتها مها صلاح الدين، لمشاهدة الجلسة.
وأخيرًا “آليات الدعم النفسي للضحايا والصحفيين خلال تغطية قضايا الناجين.ان” مع الأخصائية في الصحة النفسية والصدمات آية مهنا، لمشاهدة الجلسة

آية مهنا
أخصائية في الصحة النفسية والصدمات