حنين السيد
يجد العمال النيباليون في السعودية أنفسهم عالقين في متاهة من التحديات غير المتوقعة، بعد أن تركوا ديارهم بحثاً عن فرصة لتحسين حياتهم، مثلهم مثل العديد من العمالة الأجنبية في الخليج العربي، يواجهون ظروف عمل صعبة وغير إنسانية، بعيداً عن الوعود الورديّة التي قُدّمت لهم في بيئة تحاصرهم فيها ضغوط شديدة وأجور غير عادلة، ليتبدد حلم العمل ويصبح كابوساً يومياً.
دفع هذا الواقع فريقاً دولياً من الصحفيين لبدء تحقيق استقصائي موسّع حول ظروف العمالة النيبالية في السعودية تحت عنوان “عندما يتحول الحلم بالعمل كابوساً ..متاهة عمال نيباليين في سراديب “أمازون” السعودية” حيث بدأ الفريق عمله ببحث أولي مكثّف، ليكتشف أن هذه الممارسات لا تنحصر في حالة واحدة أو اثنتين، بل تمتد عبر شبكة من الانتهاكات الممنهجة.
تحالف كبير ومنهجية متعددة
قاد الصحفيون هدى عثمان، برامود أشاريا، مايكل هدسون، أندرو ليرير، وآنا شيكتر، هذا التحقيق بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ)، “أريج”، شبكة NBC News، وصحيفة “الغارديان”. وهدف التحقيق إلى كشف النقاب عن الظروف السيئة والانتهاكات التي يواجهها العمال النيباليين في السعودية، والذين يعملون لصالح “أمازون” من خلال شركات استقدام محلية.
انطلق التحقيق من فرضية أن العمال النيباليين الذين يُستخدمون لصالح “أمازون” في السعودية يعانون من استغلال ممنهج عبر شركات توظيف، مثل “شركة المطيري”، والتي وعدتهم بظروف عمل جيدة وحياة كريمة. لكن الواقع كان بعيداً عن الوعود؛ فقد واجه هؤلاء العمال ظروفاً معيشية قاسية وأجوراً غير عادلة، ما يجعلهم ضحايا لعمليات خداع واستغلال تنتهك المعايير الدولية لحقوق العمال، وقد تصل في بعض الحالات إلى مستوى الاتجار بالبشر وفقاً للمعايير القانونية.
اعتمد الفريق الصحفي منهجية استقصائية متعددة الأدوات، حيث قاموا بتتبع الوعود التي قدمتها شركات التوظيف للعمال، وقارنوا هذه الوعود بالواقع الصعب الذي يواجهه العمال في السعودية.
تقول الصحفية هدى عثمان في مقابلة خاصة معها “أن الشراكة عبر الحدود عززت هذا التحقيق، إذ شملت التعاون مع صحفي من نيبال أجرى مقابلات مباشرة مع العمال، مما أتاح لفريق التحقيق الوصول إلى هذا العدد الكبير من الشهادات وأكّدت على أن الفريق اعتمد منهجية دقيقة للتحقق من روايات العمال من خلال فحص عقود العمل ورسائل البريد الإلكتروني ومستندات التوظيف.وأضافت: “عملنا لمدة تسعة أشهر، قمنا بمراجعة وثائق وصور وفيديوهات، وكشفنا عن انتهاكات ومخالفات ترتكبها شركة توريد العمالة لصالح شركة أمازون، التي لم تتخذ أي إجراءات جادة لمعالجة هذه التجاوزات.”
وللتحقق من صحة ادعاءات انتهاكات حقوق العمال، جمع التحقيق شهادات من نحو 50 عاملًا مهاجرًا يعملون لصالح “أمازون” في السعودية، كشفوا فيها عن دفع رسوم توظيف غير قانونية بلغت 2300 دولار، مقابل وعود بوظائف مستقرة ورواتب مناسبة. لكن الواقع كان مختلفاً؛ وجدوا أنفسهم في ظروف سكن غير ملائمة من غرف مكتظة، حيث يتشارك ثمانية عمال غرفة واحدة، ويعانون من مياه غير صالحة للشرب، بالإضافة إلى ضغوط لدفع رسوم إضافية تصل إلى 1300 دولار عند مغادرتهم البلاد.
موارد حول حقوق العمال والانتهاكات العمالية
يسرد التحقيق قصصاً شخصية تكشف حجم المعاناة اليومية ومن بين هذه القصص، تبرز قصة ممتاز منصور، الذي جاء إلى السعودية لتحسين وضعه الاقتصادي لكنه وجد نفسه ضحية للاستغلال، قائلاً: “إما أن تقتلونا أو تعيدونا إلى وطننا، ولكن لا تؤذونا بهذا القدر.” ويظهر التحقيق أن شركات التوظيف وضعت العمال في وظائف مؤقتة عوضاً عن تعيينهم بشكل مباشر، ما أدى إلى تدني الأجور وزيادة الضغط النفسي والمالي، خاصة مع فرض غرامات على المغادرة أو العودة إلى نيبال في حالات الطوارئ.
واجه الفريق الصحفي تحديات كبيرة أثناء إعداد التحقيق، من بينها صعوبة جمع عدد كافٍ من الحالات لتوثيق النمط المتكرر لهذه الانتهاكات، بالإضافة إلى الحاجة للتحقق من كل تفاصيل القصص لضمان المصداقية. ولم تكن محاولات التواصل مع شركات التوظيف في السعودية مثمرة، كما واجه الفريق صعوبات في التصوير مع بعض العمال في نيبال. ومع ذلك، تم تجاوز هذه العقبات بفضل التعاون بين الصحفيين والمنظمات المختلفة كما تقول هدى عثمان، ما أتاح توثيق شهادات قوية وموثوقة.
وتضيف بعد مواجهة شركة “أمازون” بنتائج التحقيق، اعترفت بوقوع انتهاكات عمالية وصرّحت أنّها بصدد اتخاذ إجراءات لمعالجة هذه الانتهاكات مما دفعها لتخصيص 1.9 مليون دولار لتعويض أكثر من 700 عامل عن رسوم التوظيف غير القانونية. وتبرز استجابة “أمازون” أهمية الصحافة الاستقصائية في إحداث تغيير فعلي، وتعكس التزامًا بحقوق العمال بعد الكشف عن الظروف القاسية التي يمر بها هؤلاء العمال.
تقول هدى عثمان: “إن ما يجعل العمل الصحفي الاستقصائي مؤثرًا هو أن يرى الصحفيون أثر جهودهم في تحسين حياة الناس”. مضيفة أن التحديات، مهما كانت صعبة، يمكن تجاوزها بالتخطيط والعمل المشترك.
تنصح هدى كل صحفي بالتحقق من كل خطوة، والتواصل المبكر مع الحالات، والاستفادة من شبكات الجاليات على وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى العمال المهاجرين، والتعاون الوثيق مع صحفيين محليين يتحدثون لغة الفئة المستهدفة أو شخص ذو ثقة لمقابلة الحالات، والطلب من المصادر أن نتواصل مع أشخاص آخرين. حيث ترى أن توثيق كل شيء بدقة يضمن قوة التحقيق، وأن مشاركة المعلومات مع الفريق بلا تردد يساعد على تقوية العمل ونتائج التحقيق.
هدى عثمان
صحفية ومدربة صحفية مقيمة في نيويورك، تشغل منصب رئيسة منظمة الصحفيين العرب والشرق أوسطيين في الولايات المتحدة، لديها خبرة واسعة في العمل بقسم الصحافة الاستقصائية لدى شبكتي ABC News وCBS News.
