حنين السيد
في ظل النزوح المستمر والحرب التي عصفت بسوريا منذ أكثر من عقد، تواجه الأجيال الصاعدة خطراً يتعلق بالاعتداءات الجنسية والتحرش التي يتعرض لها الأطفال، خاصة في المخيمات والمناطق المهمشة. كشفت الصحفية هديل عرجة في تحقيق استقصائي بعنوان “جرائم اغتصاب الأطفال في سوريا تعتيمٌ وإفلاتٌ من العقاب“، الذي ترشَّح للقائمة القصيرة في جائزة سمير قصير، وأنجز بالتعاون مع شبكة “أريج” ومنظمة “Tiny Hands“، عن سلسلة من الجرائم التي يتعرض لها الأطفال من اعتداءات جنسية وتحرش، وسط غياب القوانين اللازمة لحمايتهم وخوف المجتمع من الإفصاح بسبب الوصمة الاجتماعية.
منهجية دقيقة وسرد قصصي: كيف وثقت التحقيق الانتهاكات؟
اتبعت الصحفية منهجية استقصائية دقيقة تعتمد على جمع الشهادات المباشرة وتوثيق الحالات، كما استعانت بشهادات أولياء أمور وأطفال تعرضوا للاعتداء، وتواصلت مع منظمات إنسانية تعمل في المنطقة للحصول على بيانات مهمة من عاملين في مجال الحماية الاجتماعية، الذين قدموا تفاصيل عن عشرات الحالات التي تخللتها انتهاكات بحق الأطفال.
كما استخدمت أسلوب السرد القصصي الذي يربط القارئ مباشرة بالأحداث عن طريق عرض قصص الأطفال بأسلوب يجعل القارئ يشعر بتعقيدات القضية وآلام الضحايا، وافتتحت التحقيق بقصة مؤثرة لرجل يدعى أبو محمد، الذي توجه إلى أحد مراكز الشرطة في الشمال السوري ليبلغ عن حادثة تعرض لها طفله، بعد أن عاد إلى الخيمة مرعوباً ومصاباً إثر تعرضه لاعتداء جنسي من شابين في المخيم.
تحديات ميدانية وصعوبات مجتمعية
وتشير الصحفية من خلال مقابلة خاصة معها إلى أهمية التعمق في القوانين المعمول بها في المنطقة التي يستهدفها التحقيق لفهم الثغرات التي لا تساعد الضحايا، وتقول: “من أبرز التحديات التي واجهناها، تغطية مساحة جغرافية واسعة بين مناطق المعارضة في شمال غرب سوريا ودمشق التي تقبع تحت سيطرة النظام السوري، حيث تم ذلك من خلال التعاون مع الصحفي السوري (مراد القوتلي)، الذي أنجز الجزء الثاني من التحقيق بعنوان “اغتصاب الأطفال في سوريا: ثغرات قانونية لا تساعد الضحايا.”
كما واجهت تحديات عديدة في جمع المعلومات والتواصل مع ضحايا العنف الجنسي في بيئة تتسم بالتكتم والخوف من العار. توضح: “من التحديات الكبرى حماية المصادر، حيث حرصنا على عدم ذكر أي معلومات قد تشير إلى مكان إقامتهم، وذلك لضمان سلامتهم. هذه الحماية كانت ضرورية خصوصاً أنهم ما زالوا يعانون من وصمة المجتمع، ويعملون على حماية أطفالهم ومعالجتهم مما مروا به.”
وأشارت إلى أن الوقت هو العامل الأهم في بناء الثقة مع الضحايا وأسرهم، قائلة: “الوقت، ثم الوقت، ثم المزيد من الوقت. يجب أن نعطي هذه التحقيقات الوقت الذي تستحقه، مع الحرص على بناء الثقة مع المصادر.”
كيف تحقق بفعالية في قضايا العنف الجنسي؟
تقدم الصحفية مجموعة نصائح للصحفيين الراغبين في خوض تحقيقات مشابهة في مناطق النزاع، وتقول: “التخصص في هذا المجال يتطلب متابعة معمقة ودقيقة لكل ما يجري على الأرض خاصة مع حساسية الموضوع تبعاً للمنطقة المستهدفة.”
وتضيف: “يجب استخدام المصطلحات بعناية ووضعها في سياقها الصحيح، وتجنب استخدام كلمات قاسية أو مؤذية عند وصف ما مروا به، كما أن التعاون مع خبراء في هذا المجال لفهم المصطلحات واستخدامها بالشكل الصحيح يلعب دوراً مهماً في تعزيز جودة ودقة التحقيقات الاستقصائية بالإضافة لضرورة الاعتماد على الأسئلة المفتوحة وترك المجال للمصادر لسرد التفاصيل بطريقتهم الخاصة.”
وتختم حديثها بأن “نهاية كل تحقيق ليست سوى بداية لخيط جديد يقود لتحقيق استقصائي آخر، حيث لا ينتهي العمل بانتهاء التحقيق الأول. البقاء على تواصل مع الشهود والمتابعة المستمرة معهم أمر ضروري، لأن القصة وما يمرون به لا ينتهي بمجرد نشر التحقيق.
تؤكد الصحفية أن التحقيق أدى بعد نشره إلى تواصل عدد من المنظمات والتحرك بشكل أكثر جدية حول هذه القضية في وقت توقفت فيه بعض المنظمات عن العمل في سوريا، بفضل نجاحها في تسليط الضوء على قضية مهمّشة أسهمت في رفع الوعي المجتمعي وتحفيز النقاش حول ضرورة تحسين الرقابة وضمان حقوق الأطفال في سوريا.