حنين السيد
في ظل النزاع المسلح بين مليشيا الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، الذي اندلع في أبريل 2023، برزت مأساة جديدة تهدد مستقبل السودان وهي تجنيد الأطفال القُصّر للقتال، تناولت هذه القضية الصحفية السودانية هبة عبد العظيم في تحقيق استقصائي نشرته منصة “العربي الجديد“، كشفت فيه تفاصيل عن استغلال الأطفال وتحويلهم إلى أدوات حرب، في خرق صارخ للقوانين الوطنية والدولية.
منهجية التحقيق
اعتمدت هبة عبد العظيم على منهجية استقصائية شاملة تضمّنت الاستماع إلى شهادات شهود عيان، وتحليل الأدلة البصرية، والتواصل مع الجهات الرسمية والمنظمات الدولية، كما حصلت على إفادات مباشرة من قوات الدعم السريع رغم صعوبة ذلك.
تقول هبة: “تواصلت مع أسر الأطفال الذين أكدوا أن أبناءهم القُصّر تم تجنيدهم، كما استمعت إلى أكثر من 15 شاهد عيان قمت بتقسيمهم إلى خمس مجموعات حسب النطاق السكني ومنطقة الاشتباكات. تطابقت رواياتهم حول وجود الأطفال المقاتلين مع مشاهداتي الخاصة، حيث رأيت أطفالًا يرتدون الزي العسكري ويحملون أسلحة في نقاط التفتيش أثناء خروجي من الخرطوم. هذه الشهادات الميدانية وفرت أدلة موثقة على الانتهاكات.”
كما تتبعت مقاطع الفيديو والصور المنشورة على الإنترنت من قبل قوات الدعم السريع، التي أظهرت أطفالًا مقاتلين يقودون سيارات عسكرية ويحملون أسلحة. تأكدت هبة من صحة هذه المواد ومن أنها نُشرت على صفحات رسمية لقوات الدعم السريع. وزارت أيضًا معسكرات الأطفال المحررين، مثل معسكر ود شريفي في ولاية كسلا، حيث التقت بأطفال أُجبروا على القتال.
وضعت الصحفية خطة لتتبع الإجراءات التي يتبعها الجيش السوداني عند أسر الأطفال المقاتلين، وتواصلت مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الذين تسلموا بعض الأطفال عبر المجلس القومي لرعاية الطفولة حيث أكدت الفحوصات الطبية أن أغلب هؤلاء الأطفال دون الخامسة عشرة، كما استفادت هبة من المصادر المفتوحة والتقارير الأممية التي نبهت إلى تجنيد الأطفال في قوات الدعم السريع، ما عزز صحة فرضيتها وقارنت بين التشريعات السودانية والدولية، مثل قانون الطفل السوداني لعام 2010 والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن النزاعات المسلحة، وأوضحت كيف تستغل مليشيا الدعم السريع ثغرات قانونية مثل تزوير شهادات الميلاد واستغلال “النخوة القبلية” لتجنيد الأطفال في دارفور. تقول: “هذا التتبع المنهجي ساعدني في بناء تحقيق قوي يستند إلى أدلة لا يمكن إنكارها.”
التحديات التي واجهتها
عانت هبة عبد العظيم من صراعات نفسية أثناء إعداد التحقيق. تقول: “كان أكبر تحدٍ نفسي هو الخوف من استهدافي وأسرتي من قبل الدعم السريع، خاصة مع تحذيرات الزملاء من خطورة تناول هذا الملف الحساس.”
ميدانياً، واجهت صعوبات في الحصول على إفادات من الأطفال الأسرى، ما دفعها لاستشارة قانونيين نصحوها بانتظار عودة الأطفال إلى أسرهم. تقول هبة: “تحملت مخاطرة السفر إلى مناطق النزاع، وتمكنت بفضل مصادري من توثيق الحقائق ميدانياً.”
كما كان إقناع أهالي الأطفال بالتحدث تحدياً آخر حيث رفضت أكثر من عشر أسر التعاون خوفاً من الانتقام أو الوصمة الاجتماعية. تضيف هبة: “اعتمدت على خطة تتضمن تعدد المصادر لضمان الاستمرار ورغم إحباطي من الرفض المتكرر، واصلت المحاولات حتى وافقت أسرتان على التحدث.” كما أشارت إلى تأثرها العميق بمشاعر الألم لدى الأسر التي تحدثت معها.
أثر التحقيق ودعوته للتغيير
أثار التحقيق بعد نشره جدلاً واسعاً على المستوى المجتمعي حيث رأى البعض أن تجنيد الأطفال جزء من تقاليد محلية، بينما أدانه آخرون بشدة وقد دفعت هذه الضجة الحكومة السودانية إلى مراجعة شهادات القيد الوطني والميلاد، ما أسفر عن تراجع ملحوظ في تجنيد الأطفال من قبل الدعم السريع، مدفوعاً بالضغط الدولي المتزايد بعد نشر التحقيق.
طرحت هبة عبد العظيم مجموعة من النصائح للصحفيين أثناء العمل على تحقيقات مشابهة، مشددة على أهمية التعامل بأخلاق عالية واحترام خصوصية الضحايا ومشاعرهم، وأهمية الاستماع بإنصات. كما دعت إلى الصبر أثناء البحث الأولي للتأكد من دقة المعلومات، والحصول على رد من الجهة المتهمة لأن لها حق الرد.