“إشعال السماء: تحقيق كشف التناقضات البيئية في الإمارات”

بينما تتعهد الإمارات العربية المتحدة بتقليل الانبعاثات والعمل على مستقبل بيئي مستدام، يكشف تحقيق استقصائي أجرته الصحفية هلا نصر الدين، ونُشر عبر منصة “درج”، عن واقع مختلف تماماً، ويأتي هذا التحقيق، كجزء من مشروع “إشعال السماء” المدعوم من Journalismfund Europe، والذي يكشف من خلال سلسلة استقصائية أن خمس شركات أوروبية كبرى في قطاع النفط والغاز تصنّف ضمن أكبر 10 شركات ملوثة في إفريقيا والشرق الأوسط فيما يتعلق بحراق الغاز.  ووفقاً للمنتدى الاستقصائي البيئي (EIF) تشمل هذه الشركات شل، وبريتش بتروليوم، وإيني، وتوتال إنرجيز، وبيرينكو. وقد قاد سلسلة التحقيقات شبكة وسائل الإعلام التعاون الاستقصائي الأوروبي (EIC)، بالتعاون مع “درج ميديا”، و”سورس ماتيريال”، و”أوكسبيكرز” للصحافة البيئية الاستقصائية.

تكشف الأدلة التي استند إليها التحقيق التناقض الواضح بين التزامات شركة “أدنوك” الوطنية للنفط وما يحدث فعلياً على الأرض، حيث يستمر الحرق الروتيني للغاز بل ويتزايد بشكل ملحوظ منذ سنوات، وتُظهر البيانات أن الإمارات أحرقت نحو 48.8 مليار متر مكعب من الغاز بين 2012 و2022، مما أدى إلى انبعاث حوالي 126 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، مما يضع التزامات “أدنوك” البيئية تحت مجهر الشك. ولم تقتصر الأضرار على البيئة فحسب، بل امتدت إلى الصحة العامة أيضاً، إذ تشير الإحصاءات إلى ارتفاع معدلات الربو والسرطان والأمراض التنفسية الأخرى في المناطق المجاورة لمواقع الإنتاج، نتيجة انبعاثات ضارة مثل الميثان وثاني أكسيد النيتروجين.

اتبعت الصحفية هلا نصر الدين وفريق “إشعال السماء” منهجية استقصائية دقيقة ومتعددة الأدوات للوصول إلى الحقائق حول الحرق الروتيني للغاز في مواقع “أدنوك” حيث بدأت العملية بتحليل صور الأقمار الصناعية وبيانات الانبعاثات المتاحة من منصات مفتوحة مثل “SkyTruth”، والتي قدمت مؤشرات واضحة على معدلات الحرق في مواقع الانتاج وتكراره على مدار سنوات. بعد ذلك، تمت مطابقة هذه الصور مع خرائط الامتيازات النفطية، لتوثيق مواقع الحرق بدقّة وربطها بمناطق إنتاج محددة.

ولإضافة بُعد صحي إلى التحقيق، استعان الفريق بمصادر موثوقة، مثل منظمة الصحة العالمية، لربط انبعاثات الغاز في تلك المواقع بتأثيرات صحية محتملة في المناطق المحيطة. كما استفادت نصر الدين من حضور مؤتمر COP28، حيث تمكنت من إجراء مقابلات مع خبراء بيئيين ومتابعة التصريحات الرسمية، مما وفر فرصة للمقارنة بين الخطاب الرسمي والحقائق الموثقة في البيانات.

وتؤكد نصر الدين أن العمل على هذا التحقيق عن بُعد شكّل تحدياً كبيراً، خاصة في ظل غياب ردود رسمية من شركة أدنوك والحكومة الإماراتية، ما دفعها للاعتماد على مصادر خارجية وبيانات تقنية دقيقة، بهدف تقديم أدلة دامغة ومؤكدة تدحض ادعاءات الشركة. وبهذه المنهجية، تمكنت من جمع بيانات غير منحازة تعكس بدقة الوضع البيئي الراهن، معتمدة على مصادر مفتوحة وموثوقة.

واجهت هلا نصر الدين صعوبات عديدة أثناء جمع البيانات وإعداد هذا التحقيق، خاصة في ظل قيود عدم الشفافية وصعوبة الحصول على وثائق رسمية. في مقابلة حصرية، تقول نصر الله: “من أكبر التحديات في هذا التحقيق هو العمل عن بعد، في ظل غياب التغطية الميدانية باستثناء زيارتي لمؤتمر COP في دبي قبل البدء بالمشروع. الوصول إلى المعلومات والخبراء من داخل الإمارات كان تحدياً كبيراً نظراً لحساسية التحقيق الذي يتعلق مباشرة بالحكومة والشركات الحكومية والعامة”.

وتضيف: “حاولنا في درج التواصل مع الحكومة والشركات مثل شركة أدنوك للحصول على تعليقات عدة مرات، لكننا لم نتلق أي رد. هذا جعل من الصعب جداً الحصول على مراسل أو مصدر من داخل الإمارات كما فعلنا في دول أخرى. لذلك، اعتمدت بشكل أساسي على البيانات، المصادر المفتوحة، والبحث المكثف، بالإضافة إلى تجربتي الشخصية خلال مؤتمر COP في دبي، والتي ساعدتني كثيراً في مقارنة ما سمعته ورأيته من الحكومة الإماراتية مع ما كشفت عنه البيانات، هذا بالإضافة إلى التواصل مع خبراء بيئيين.”

كما تؤكد نصر الله على ضرورة التعاون الدولي في التحقيقات البيئية الحساسة، وتشير إلى أن بناء شبكة علاقات قوية مع صحفيين وناشطين بيئيين عبر الحدود أمر بالغ الأهمية. وتقول: “عند مواجهة قيود في الوصول إلى المعلومات، خاصة عند العمل على مواضيع حساسة تتعلق بالحكومات أو الكيانات القوية، من الضروري الاعتماد على البيانات الموثوقة والمصادر المفتوحة. هذه الأدوات تشكل أساساً قوياً للتحقيقات وتساعد في سد الفجوات التي قد تنشأ بسبب نقص العمل الميداني في بعض الحالات، مثل الحالة في تحقيقي عن حرق الغاز في الإمارات.”

وتضيف: “كما يجب أن نلعب دورنا كـ مراقبين (watchdogs) لمحاسبة الحكومات والشركات. هناك الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المهمة، بالإضافة إلى المنظمات العالمية التي تعمل على قضايا البيئة والتغير المناخي. علينا الاستفادة من هذه المؤسسات ومنشوراتها والبيانات المتاحة لتحقيق نتائج قوية وموثوقة.”

التعاون والنشر العابر للحدود

يبرز مشروع “إشعال السماء” أهمية التعاون الدولي في التحقيقات البيئية، حيث ساهم في الكشف عن التأثيرات الكارثية لانبعاثات الغاز المحترق من شركات النفط الكبرى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. ومن خلال نشر التحقيقات بلغات متعددة وعبر 14 منصة إعلامية، تمكن المشروع من الوصول إلى جمهور عالمي وساهمت منصات مثل “درج”، “SourceMaterial”، و”Oxpeckers” في جمع وتحليل بيانات الحرق على مدار سنوات، ما أتاح تسليط الضوء على التحديات البيئية والصحية التي يواجهها السكان المحليون في المناطق المتضررة.

التحقيقات المنشورة في مشروع “إشعال السماء”

“إشعال السماء”: حرق الغاز في مصر …الثروة المهدورة والتلوث المتصاعد

“إشعال السماء”: شركات أوروبيّة تحرق الغاز وتلوّث الهواء في تونس

“إشعال السماء”: التقدم البطيء لقطر وسلطنة عُمان لا يعكس الالتزام البيئي!

“إشعال السماء”: ماذا خلف ألسنة اللهب السامة التي تسمح بها شركات النفط العملاقة؟

“إشعال السماء”: التناقض البيئي الإماراتي من قيادة قمّة المناخ إلى انتهاك معايير حرق الغاز

“إشعال السماء”: حقول نفط البصرة تفتك بجيرانها

هلا نصر الدين

صحفية استقصائية منذ حوالي 10 سنوات، تركز في عملها على التحقيقات المتعلقة بالجرائم المالية وشبهات الفساد، شاركت في عدّة مشاريع عابرة للحدود، مثل وثائق باندورا، فنسن، ومفاتيح دبي.

موارد ومصادر مهمة

مشروع “SkyTruth” موقع يحتوي على صور الأقمار الصناعية وتحليلها للكشف عن التأثيرات البيئية.
المنتدى الدولي للصحافة الاستقصائية البيئية وهو شبكة للمتخصصين البيئيين
– ID التي تديرها OCCRP وتوفر قاعدة بيانات وأدوات تساعد الصحفيينات في البحث عن المعلومات المالية والبيانات المفتوحة والوثائق الحكومية لمتابعة قضايا الفساد والاستغلال البيئي.