تعاني مراكز تخاطب وتأهيل أطفال التوحد في مصر ممن يقدر عددهم بنحو 800,000 طفل من غياب الرقابة والإشراف القانوني، مما أدى إلى تدهور الخدمات ووصول الانتهاكات إلى حد ممارسة العنف والجريمة بحق الأطفال، وهو ما يعاقب عليه القانون، وكشف تحقيق استقصائي بعنوان “بالأزرق صوتي”، للصحفية صفاء عاشور من خلال منصة ARIJ، أن 75% من هذه المراكز تعمل دون تراخيص أو التزام بالمعايير القانونية.
ويأتي التحقيق بعنوان “بالأزرق صوتي” ليعبر عن معاناة أطفال التوحد، حيث يرتبط اللون الأزرق بشعار التوحد، وقد وثّق خلال تسعة أشهر من العمل, شهادات وأدلة قانونية وتقارير طبية تشير إلى تعرض أطفال التوحد لسوء معاملة تصل إلى الإيذاء الجسدي والإهمال الشديد، وتناول العديد من القصص التي وضحت معاناة عائلاتٍ تسعى لمنح أطفالها فرصة حياة طبيعية مؤكداً على فشل النظام الرقابي في حماية هؤلاء الأطفال.
كشف الحقائق: منهجية استقصائية وسرد متقاطع
اتبعت الصحفية صفاء عاشور منهجية استقصائية دقيقة، تضمنت مقابلات مباشرة مع أسر الأطفال، وحللت التقارير الطبية والشهادات القانونية، وقامت بزيارات ميدانية لعشرة مراكز تخاطب في محافظات مختلفة، ولاحظت خلال زياراتها تفاوتاً في الخدمات المقدمة بين المراكز، بناءً على الموقع الجغرافي، وكشفت عن انتهاكات قانونية واضحة في ستة من هذه المراكز، حيث تعمل دون تراخيص قانونية مطابقة للشروط المطلوبة.
اعتمد التحقيق على أسلوب السرد المتقاطع، حيث تنقلت الصحفية بين قصص الأطفال المختلفة، مما أعطى إحساساً بتشابك المعاناة وتنوع التحديات التي تواجهها هذه الأسر. هذا الأسلوب لم يضف فقط بعداً إنسانياً، بل جعل التحقيق أكثر جاذبية للقارئ وخلق دافعاً لمتابعة التفاصيل بشغف، حيث يرتبط كل جزء بالقضية الرئيسية عبر مزيج من المشاعر والحقائق الموثقة.
توثيق الانتهاكات: قصص تدين نظام الرقابة
تقول عاشور في مقابلة حصرية معها: “أردت أن أبدأ التحقيق بقصص حية مثل قصة الطفلة زمزم، التي تُظهر معاناة هؤلاء الأطفال بوضوح”. ركزت على القصص الشخصية لتقريب القارئ من الموضوع وإضفاء بعد إنساني على التحقيق.
وتضيف: “كان لابد من النزول إلى الأرض والتحقق من المعلومات عبر تقارير طبية وشهادات موثقة.” وأوضحت أنها اعتمدت بشكل أساسي على التسجيلات الصوتية التي وثقت شهادات الأهالي، بالإضافة إلى الشهادات المصورة، مما ساهم في تعزيز مصداقية التحقيق، واستخدمت هذه التسجيلات كجزء من السرد لدعم الاتهامات الموجهة للمراكز، وتوثيق قصص الإيذاء الجسدي بوضوح، وإحدى هذه الحالات هي للطفل محمد، الذي أظهر تقريره الطبي إصابته بكدمات وسحجات على جسده، مما أكد تعرضه للإيذاء وعزز من قوة الأدلة المقدمة.
حكومة غير متعاونة وتحديات ميدانية
واجهت الصحفية كلاً من وزارتي الصحة والتضامن الاجتماعي بالمخالفات التي وثقتها في تحقيقها، إلا أن الوزارتين رفضتا الرد على استفساراتها. دفعها ذلك إلى الاعتماد على التوثيق الذاتي، حيث قارنت بين شروط ترخيص هذه المراكز والواقع الفعلي فأظهرت نتائج المقارنة فجوة كبيرة بين المعايير القانونية والوضع الميداني، مما يبرز أن هذه الانتهاكات تتعدى كونها أخلاقية وإنسانية لتصبح قضايا قانونية.
كما واجهت عاشور تحديات ميدانية أثناء زيارتها للمراكز، إذ كانت بعض المراكز تتردد في السماح لها بالدخول أو تؤخر زياراتها بحجة الإجراءات الإدارية. رغم ذلك، واظبت على تسجيل ملاحظاتها بدقة خلال هذه الزيارات. اعتمدت أيضاً على شهود داخل المراكز، مثل الموظفين والممرضات، للحصول على معلومات دقيقة حول الانتهاكات، ما أضاف تحدياً لحماية المصادر وكسب ثقتهم.
أما بالنسبة للأهالي، فقد كانوا يخشون التبليغ رغم معاناتهم، مما دفع عاشور إلى اتباع أسلوب الحوار الداعم والمقنع. تقول: “كان التحدي الأكبر إقناعهم بأن التحدث خطوة ضرورية، مع احترام مخاوفهم تجاه نظرة المجتمع لأطفالهم وحماية خصوصياتهم.” وفرت للأهالي دعماً نفسياً و شجعتهم على التحدث، سعياً لخلق تغيير حقيقي.
تؤكد عاشور أن هذا التحقيق أسهم في إحداث نقاش مجتمعي حول ضرورة تحسين القوانين المنظمة لمراكز التخاطب والتأهيل وضمان رقابة حكومية فعّالة. وتأمل أن يحفز التحقيق الجهات المعنية لتمرير مشروع قانون ينظم هذه المراكز ويوفر حماية أكبر للأطفال ذوي التوحد.
‘‘