فوريكس

تحقيق استقصائي يكشف عن عمليات النصب والاحتيال في سوق الفوركس بالعراق

حنين السيد

ينتشر في العراق ما يعرف بتجارة الفوركس التي باتت بوابة كبيرة لعمليات النصب والاحتيال التي طالت آلاف الشباب والنساء الساعين وراء تحقيق أرباح سريعة، ما تسبب لهم بخسائر مالية ضخمة تُقدّر بمئات الملايين من الدولارات.

في ظل هذه الفوضى، عملت الصحفية منار الزبيدي على التعمق في هذه الظاهرة من خلال تحقيق استقصائي موسّع حمل عنوان “الفوركس” تجارة خطرة تجتاح العراق… نصب واحتيال بمليارات الدنانير وأغلب الضحايا نساء وشباب،  والذي نُشر عبر منصة “نيريج” المتخصصة في الصحافة الاستقصائية. تناول التحقيق كيف تحولت تجارة الفوركس في العراق من فرصة للربح إلى فخ محكم، مستعرضاً شهادات ضحايا ومعلومات عن الجهات التي تقف وراء هذه العمليات.

منهجية التحقيق: تتبّع الاحتيال وكشف الثغرات

استند التحقيق إلى منهجية استقصائية دقيقة استمرت تسعة أشهر، تم خلالها تتبّع خيوط الاحتيال في سوق الفوركس غير المنظم في العراق. بدأ العمل عبر زيارات ميدانية لمكاتب وسطاء الفوركس في عدد من المحافظات، حيث تم توثيق طرق التسويق والاستدراج التي تستهدف النساء والشباب تحديداً، مستخدمة وعوداً مغرية بتحقيق أرباح سريعة.

وتقول الزبيدي في هذا الصدد: “اعتمدت أسلوب تحليل الإعلانات عبر شبكة الإنترنت، واستفدت من أدوات تحليل المواقع مثل ‘Whois’ التي ساعدتني في التحقق من معلومات تسجيل النطاقات، وكشف الشركات التي أنشئت مؤخراً أو تلك التي تخفي هويتها، كما قمت بتحليل المحتوى الرقمي الذي تروج له هذه الشركات لرصد أي مؤشرات مضللة أو وعود كاذبة”.

وتضيف: “تتبع الإعلانات ومراقبة أدائها ساعدني على تحديد الإعلانات التي تُعرض على مواقع مشبوهة أو تستخدم تقنيات خادعة، كما كشف تحليل التفاعل على منشورات تلك الشركات عن استخدام تعليقات مزيفة وزيادة مصطنعة للإعجابات لتضليل المتابعين”.

اعتمد التحقيق على سلسلة مقابلات مباشرة مع ضحايا من مختلف المحافظات، إلى جانب لقاءات مع ممثلين عن الجهات الرقابية، خبراء اقتصاديين، ووسطاء ماليين، مما أتاح فهماً أعمق لآليات النصب المستخدمة. كما تم تحليل تقارير رسمية صادرة عن هيئة الأوراق المالية والبنك المركزي العراقي، كشفت عن حجم التداول غير الشرعي، وغياب الرقابة الصارمة.

استخدمت الصحفية أسلوب السرد المتقاطع لعرض قصص الضحايا، وهو أسلوب يبرز التشابه في أنماط الاحتيال، ويمنح التحقيق بعداً إنسانياً يوصل عمق المعاناة والمخاطر. وقد دعمت هذه القصص بوثائق حقيقية، مثل: تسجيلات صوتية، مراسلات عبر تطبيقات المراسلة، وعقود تداول وهمية كانت تُستخدم لإضفاء طابع شرعي زائف على أنشطة الشركات غير المسجلة قانونياً.

وللتأكد من صحة المعلومات، تم تحليل عقود هذه الشركات ومقارنتها مع نماذج العقود المعتمدة عالمياً، كما استعان التحقيق برأي خبراء قانونيين واقتصاديين لتفسير أوجه الفرق بين التداول المشروع والوهمي. كما تم استخدام أدوات البحث الرقمي لتعقب الشركات الوهمية وكشف هوياتها الحقيقية وسجلّها غير القانوني.
من أبرز ما كشفه التحقيق أن العديد من هذه الشركات تدّعي ارتباطها بأسواق مالية عالمية، لكنها في الواقع لا تحظى بأي اعتراف من الجهات الرقابية الدولية، مما يترك المستثمرين بلا حماية قانونية عند التعرض للخداع.

تحديات ميدانية

واجهت الزبيدي صعوبة في الوصول إلى المعلومات، وهو تحدٍ تواجهه الصحفيات المستقلات في العراق حسب قولها، لذا اعتمدت على شبكة علاقاتها المهنية، والتعاون مع زملاء في الخارج، والاستفادة من التصريحات السابقة والبرامج التلفزيونية كبدائل موثوقة.

أما الضحايا، فقد كانوا يخشون التحدث خوفاً من التعرض للانتقام من قبل الوسطاء، مما دفع الصحفية إلى استخدام تقنيات توثيق سرية لضمان نقل شهاداتهم بأمان، مع الحفاظ على هويتهم مجهولة في بعض الحالات، ولتجاوز هذه التحديات، اعتمدت الصحفية على التوثيق السري وجمع الأدلة من مصادر داخلية، بالإضافة إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لكشف أرشيف الإعلانات السابقة لهذه الشركات، مما ساعد في كشف تناقضاتها.

وتؤكد الزبيدي في نصائحها للعمل على تحقيقات مشابهة: “من الضروري أن يتحلى الصحفي الاقتصادي بفهم عميق للمفاهيم الاقتصادية، ومهارات تحليلية دقيقة للبيانات، إلى جانب مهارات الكتابة والتواصل الفعّال، وأن يكون ملماً بالقوانين المالية، ومتمكناً من أدوات التحقيق الرقمي لحماية نفسه ومصادره”.

الأثر
تم تداول معلومات التحقيق عبر عدد من القنوات الفضائية وبحث الأمر من جديد، وكذلك تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت التعليقات مهمة ويمكن توثيقها باعتبارها جانباً من مصاديق المعلومات المذكورة. وبعض الأشخاص طلبوا استشارات قانونية للمطالبة بحقوقهم، كما صدر تحذير من هيئة الأوراق المالية بعد التحقيق بحب الصحفية.

وتوضح : “وصلني تواصل من عدة ضحايا، بعضهم كتب لي بشكل خاص يؤكد وقوعه ضحية احتيال، بينما فضّل آخرون التحدث سرًا خوفًا من الوصمة، وفعليًا أفكر في استكمال العمل عبر سلسلة بودكاست لأنها تمنح الضحايا مساحة آمنة للبوح، لكنها تحتاج تمويلاً .وإعداداً مهنياً عالي المستوى”
وتشير إلى أن هذا التحقيق ليس النهاية، بل هو بداية لمزيد من الجهود حتى يتم وضع إطار قانوني يحمي المستثمرين ويمنع عمليات الاحتيال في المستقبل.

يوفر تحقيقات عالمية حول قضايا الفساد المالي والاحتيال في الأسواق المالية.
يوفر معلومات حول الجرائم المالي، بما في ذلك الاتجاهات العالمية والتحذيرات بشأن الشركات الوهمية.
يوفر بيانات وتقارير حول الأسواق المالية الناشئة والتنظيم القانوني للفوركس..
img 4608 manar alzubedy

منار الزبيدي

صحفية وباحثة في مجال القانون العام، كاتبة ومدربة دولية في مجالات الأمن الرقمي والسلامة القانونية والأمن الشخصي.
خبيرة في مجال حقوق المرأة ومستشارة إعلامية لدى عدد من المؤسسات الإعلامية والمنظمات غير الحكومية.